سمير بحاجين
عرضت القناة الثانية دوزيم السبت 14 نونبر ليلا برنامج جديد للأطفال بعنوان l’école des Fans للاكتشاف مواهب الأطفال وطاقاتهم الفنية حسب موقع القناة الإلكتروني، وللتحدث عن قضايا تهمهم، سنحاول من خلال هذا المقال التحليلي تقديم قراءة نقدية حول البرنامج، عن شكله، مضمونه، منشطه، فقراته الفنية، وكيف نتعامل مع الأطفال؟
وصف البرنامج:
بدأ البرنامج بجنريك فرنسي، فظهر صاحب البرنامج الأصلي المنشط الفرنسي Jacque Martin ، ليخرج الكوميدي إيكو المشهور بتقليد الأصوات والوصلات الهزلية، واستقبل ضيوف البرنامج: الفنان غاني ورحب بالفرقة الموسيقية فالأطفال المشاركين وطلب منهم تقبيله للترحيب بهم، ثم استدعى بعد ذلك كل عنصر بمفرده للتعرف عليه أكثر وذلك بالإجابة على بعض الأسئلة وليقوم بعد ذلك بغناء مقطع من اختياره في حين يقوم الأطفال الآخرون بالتنقيط لزميلهم ، وتخللت البرنامج وصلات فنية الأولى لعازف الساكسفون المشهور ب”الشريف” والأخيرة للمغني غاني.
البرنامج من حيث الشكل:
تم تقديم البرنامج من مسرح وهو البلاطو الرئيس وبه الفرقة الموسيقية، المنشط، المشاركون والجمهور، ويتم ربط الاتصال بالضيف الموجود في غرفة ثانوية أمام مائدة من المشروبات والمأكولات، والسؤال المطروح ما الهدف من إبراز هذه المائدة الممتلئة؟ وكذا ما الهدف من وضع الفنان الضيف في غرفة معزولة؟ كما أن طريقة جلوس الضيف يجب أن تأخذ بعين الاعتبار لأن الطفل مقلد بامتياز.
البرنامج من حيث المضمون:
اعتمد إيكو في تنشيط البرنامج على أسلوب الكوميديا بمناقشة مواضيع لا تتلائم مع سن الأطفال، حيث سألهم عن الزواج وعن العلاقات العاطفية وعن مشاكل الأبوين وعن علاقة الزوجة بحماتها،والأفظع من هذا هو نعت أحد الأطفال المشاركين ب”العدو” وآخر بأنه مجرم ارتكب جريمة كبيرة، وفي حديث مع أم أحدهم قال لها: إن ابنها مباشرة عند بلوغه سن الثمانية عشر سيطل عليها ب”السيغار”.
لغة البرنامج:
في مجملها عامية تميل أكثر إلى خطاب الشعبوية، وكان يجدر به اعتماد لغة مبسطة مع اختيار جيد للمصطلحات، بخلاف تلك التي استعمل المقدم والتي تضمنت عنف وتأويل يجب تفاديهما، فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما طلب من طفلة أخذ الميكروفون فعوض عبارة “قبطي هذا عندك” كان من الأجدر استعمال كلمة “خذي”.
قال المنشط إيكو جوابا على المغني غاني : “أنا سبرديلة” فهل أصبحنا ننعت الإنسان بأبشع النعوت؟ ففي كثير من الأحيان نسي المنشط أنه في مهمة مع الأطفال وليس تهريج، وكان يتلفظ بكلمات خارج السياق : الحمام، الاختلاط،،،
بالنسبة للمصطلحات باللغة الفرنسية استعمل على سبيل المثال : “لوشيانة ” امرأة le chien و كلمة les papans ، فهل نحن أمام تعليم الأطفال كلمات جديدة للغة ثانية أم أمام تلقينهم الخطأ؟
نسي المنشط أنه في مرتبة النموذج والقدوة، ومن المنتظر أن يقلده الأطفال في كل مصطلحاته وهذا أمر خطير جدا.
القطع الموسيقية المدرجة في البرنامج لا تلائم لا سن الأطفال ولا اهتماماتهم ولا مواضيعهم، ما الفائدة من غناء معندي زهر مع l’amour ، تعال أشبعك حب،،،،بالتمعن في كلمات هته الأغاني نكتشف الخطورة المقدمة إلى أطفالنا، فالأغنية سلاح مزدوج بالنسبة للطفل إما بها نرتقي به أو بها نحطم قيمه، ولعل مقولة الفيلسوف العالمي كونفوشيوس:إذا أردت أن تعرف مدى تقدم أمة وحضارتها فاستمع إلى موسيقاها ،توضح وتلخص معنى ما سبق.
خطورة قصوى في التعامل مع الأطفال:
بدأ المنشط البرنامج بطلب تقبيله من طرف الأطفال، وهو أمر خطير لطالما تدعو المنظمات الحقوقية العالمية تجنبه لأنه جريمة في حق الطفل، ومنهم من اعتبره تحرش تجاه الأطفال، والخطير أن البرنامج الجديد لدوزيم في وصلته الإشهارية يظهر لقطات يحمل فيها المنشط الأطفال وأيضا مغني مشهور يضع طفلة على فخده، في حين أن المطلوب والمعقول هو تجنب ملامسة الأطفال.
قدمت القناة الثانية في بلاغها أن البرنامج سيكتشف مواهب الأطفال ويبرز طاقاتهم وهو الأمر الذي لم يتحقق في الحلقة الأولى،فالأطفال المشاركين لم تتبين فيهم أية موهبة وأصواتهم جد عادية، وعن صقل مواهبهم فالعكس هو ما لاحظناه خاصة عند اعتماد لجنة تحكيم من أطفال لا يميزون حتى دلالات العلامات التي يرفعونها، والأخطر هو حين قام المنشط بتعنيفهم عندما قال لأحد المشاركين : دابا تشوف أش غادا دير ليك، إنه بذلك يمرر خطابا للكراهية والتنمر.
وقت البرنامج:
بالرغم من انتقاد مجموعة من المتتبعين لتوقيت البرنامج لاعتيادهم برمجة برامج الأطفال في الفترة الصباحية، إلا أنه لا بأس من برمجته في وقت الذروة وهو أمر طالبنا به مسبقا حتى يستفيد الأطفال من هذا التوقيت المهم، لكن يجب أن يكون في وقت معقول وليس ليلا ، حتى نحترم وقت نوم أطفالنا، ومن إيجابيات البرمجة في الفترة المسائية هي مشاهدتهم البرنامج بمعية أوليائهم ، لكنه بذلك يتحول من برنامج خاص بالأطفال إلى برنامج خاص بالأسرة والطفل، وهنا لا بد من احترام مشاعر الأسرة وخاصة العائلات المغربية إذ يجب أثناء الإعداد التفكير الجيد فيما سنقدمه إليهم وفي المصطلحات المستعملة مراعاة لثقافة المغاربة وقيمهم.
كيف نتعامل مع الأطفال؟
أتذكر بهذا العنوان وقت التحاقي بقناة الجزيرة للأطفال بقطر،فمباشرة عند التحاقي بفريق العمل توصلت في الأيام الأولى بميثاق عنوانه:” نشتغل مع الأطفال فكيف نتعامل معهم؟” بطبيعة الحال يأتي هذا الميثاق بعد قيام لجنة متخصصة دوليا باختيار المنشطين من مختلف البلاد العربية نظرا لخبراتهم ومؤهلاتهم العلمية والتربوية والفنية، وكانت إدارة قناة الجزيرة للأطفال تعتمد شعار: “الخطأ ممنوع” كانت الإدارة تردد هذا الشعار “نحن قناة تربوية ومدرسة، لا نخطأ مع الأطفال”. أما الميثاق فكان يذكر ويبين للمنشطين كيفية التعامل مع الأطفال ويحذرهم من ارتكاب أخطاء قد لا تكون مقصودة، وبالعودة إلى عنوان الميثاق: نشتغل مع الأطفال وليس نشتغل بالأطفال كما لامسناه من خلال تتبعنا لبرنامج إيكو حيث جعل الأطفال موضوع ووسيلة لتسلية الكبار وسخريتهم فالمفروض ألا نضحك بالأطفال أو عليهم.
إن برامج الأطفال بالرغم أنها تبدو من الوهلة الأولى بسيطة وسهلة الإنتاج ،لكنها عكس ذلك فإذا كان تكوين الصحافي في المعاهد الخاصة بالصحافة يقتضي على الأقل ثلاث سنوات لمعرفة الطريقة الصحيحة لطرح الأسئلة، فإن الذي يشتغل مع الأطفال يكتشف أنه يحتاج تكوينا إضافيا لأن الطفل فعلا صعب في مزاجه فما يضحك الكبير لا يضحكه وما يهم الكبير لا يهمه ،إن للطفل عالم خاص به، ولمعرفته لا بد من دراسة وإلمام بسيكولوجية الطفل ومعرفة مراحل نموه، والاطلاع على ما قدمته مدارس علم النفس الخاصة بالطفل، لا بد من فهم نظريات “بياجيه” و”فرويد”، وتقسيمهما لمراحل نمو الطفل والأهم من ذلك هو ملائمتها مع الطفل المغربي.
ما شاهدناه في برنامج إيكو في مجموعة أحيان يكون بلوكاج من الطفل، والمنشط هو المسؤول عنه إذ يطرح أسئلة مجردة والطفل ما زال يعيش في المرحلة الملموسة، أسئلة المنشط كانت غير مفهومة ومعقدة وتفوق مستوى وعيهم ونموهم العقلي، الطفل المشارك الأخير الذي عبر بكل صدق وسأل:ما معنى علاقة عاطفية؟؟ كان أكثر مصداقية من المنشط.
القناة الثانية قامت بجهد تشكر عليه وهو تخصيصه الميزانية مهمة لإنتاج هذا البرنامج الفرنسي الأصل وهو أمر ليس غريب عن القناة الثانية التي أخذت سابقا برامج أطفال فرنسية وحاولت تقديمها بنسخة عربية وكانت موفقة في ذلك، لكننا اليوم نتساءل في سنة 2020 أليس في المغرب مبدعون ومنتجون ومتخصصون لإعداد وتنشيط وإنتاج برامج أطفال تناسب أطفالنا وثقافتنا؟ ألهذا الحد نأتي اليوم ببرنامج فرنسي تم إنتاجه في القناة الثانية الفرنسية سنة 1977، ونقدمه للمغاربة بعد مرور 43 سنة؟ألهذا الحد نحن عاجزون ومتخلفون؟ ألهذا الحد نستخف بأطفالنا؟ وبتربيتهم؟ وبتربية أذواقهم؟
للأسف نريد أن نتجاهل تاريخنا القوي وكفاءاتنا، فالمغرب كان سباقا في إنتاج برامج الأطفال في العالم العربي فعلى سبيل المثال لا الحصر تجربة القناة الصغيرة كانت رائدة في العالم وتم تقليدها في مجموعة دول، وكذا المغرب مغرب الكفاءات ففي تجربة قناة الجزيرة للأطفال مساهمة المغاربة كانت جد متميزة لا في الإدارة ولا في مجال الإنتاج ولا في التقديم والتنشيط: فريق المغاربة كان متميزا جدا ولعل أبناء القناة الثانية بصموا في هذه التجربة العالمية وعلى رأسهم السيدين المديرين السيد مصطفى ملوك والسيد خالد أدنون ، والسيد رشيد حمان في الإنتاج، والإعلامي المتميزعلي بوكمة والمنشطة اسمهان التازي في التقديم والتنشيط.
إن ما قدمه البرنامج الجديد للقناة الثانية يسيء لأطفالنا ولتربيتهم ولذوقهم ويدمر قيمهم، وهو أمر يتطلب تدخل سريع للجهات المسؤولة من الوزارات الوصية على الطفل، ومن المنظمات المهتمة بحقوقه، وكذا الهيأة العليا للسمعي البصري.
هذا ونذكر بأن تربية أطفالنا من مسؤوليتنا جميعا: أسرة،مدرسة ومجتمع وتلفزيون.
* سمير بحاجين
متخصص في إعلام وفن الطفل.
منشط برامج للأطفال بالقناة الأولى: 2001/2007.
منشط ومساهم في إعداد فقرات برامج: قناة الجزيرة للأطفال بقطر: 2007/2010.
مشرف تربوي بوزارة التربية الوطنية.
ملحن ومنتج أغاني للأطفال.
حاصل على جائزة المملكة المغربية في أفضل إنتاج غنائي حول السلام.
تعليقات
0